مجلة المعرفة أحمد العمار ـ الرياض يعرف الدكتور أيوب الأيوب، أحد خبراء علم البارادايم في العالم العربي، هذا العلم نقلاً عن الأستاذ المستشرف (Joel Barker) بأنه: «مجموعة من القواعد واللوائح والمبادئ والأفكار المكتوبة وغير المكتوبة، التي تقوم بدورين هامين: تنشئ وتعرف الحدود بالنسبة لك. أي تعلمك كيف تتصرف داخل هذه الحدود كي تنجح، والنجاح هنا يعني قدرتك على حل المشكلات».
ثمة تعريفات عدة للبارادايم لا يتسع المجال لذكرها هنا، إلا أن أقربها وأكثرها شمولاً هو: «الخبرات والقواعد والثقافة لدى الشخص، التي تؤدي إلى تكوين الصورة أو القالب الذهني لديه». فالبارادايم - حسب رأيه - هو المصنع، بينما تشكل الصور والقوالب الذهنية منتجات لهذا المصنع.
ويرجع أصل كلمة البارادايم إلى اليونانية «Paradigma»، التي تعني مثالاً أو نمطًا أو نموذجًا. ويمثل البارادايم الطريقة التي نرى ونسمع ونتذوق بها الأشياء من حولنا، فهو وسيلة للاتصال بالعالم المحيط بنا، ومن ثم فهم هذا العالم وتكوين صور ذهنية عنه، أي أن الأمر متعلق مباشرة بتكوين الإدراك «Perception». ويتصف البارادايم بصفات عدة لعل أهمها أنه «الصندوق» و«المصفي» أو «العدسات». أي أنه يتحكم بشكل مباشر أو غير مباشر برؤيتنا للعالم، وتقييم هذا العالم على ضوء ما نؤمن ونعتقد به في المقام الأول.
والبارادايم أصبح اليوم علمًا يطبق في مجالات عدة خصوصًا في دراسات استشراف المستقبل، ولقد قطع الغرب شوطًا كبيرًا في هذا المضمار. ثوران يتناطحان لا يرتبط البارادايم بالأشياء السلبية دائمًا، بل يعبر أحيانًا عن الأشياء الإيجابية، خصوصًا عندما يتم كسر البارادايم السلبي أولاً، ومن ثم بناء آخر إيجابي مكانه، والأمر هنا مرتبط بإلغاء التصورات والأفكار المسبقة التي غالبًا ما تكون معممة وبعيدة عن الموضوعية، والانتقال بعد ذلك إلى تسمية الأشياء بما هي عليه في الواقع، بعد فهمها والوقوف على تفاصيلها. والبارادايم يتعلق بطبيعة نظرتنا للأشياء، وعاداتنا في الحكم والتفكير والتفسير.
فمثلاً نحن تعودنا النظر إلى مصَّور الكرة الأرضية من الزاوية التي يكون فيها العالم العربي في المنتصف، فإذا رأينا شكل الخريطة التي تدرس في مدارس اليابان وأستراليا لوجدناها مختلفة. فهم ينظرون إليها من الزاوية التي تكون فيها دولهم في المنتصف، وقد عرضت هذه الخريطة على طلاب بعض المدارس، فلم يستطيعوا التعرف على كونها خريطة للعالم أصلاً! وقد أجاب بعضهم بأن ما نراه هو حبر مسكوب على ورقة بيضاء، والبعض الآخر بأنها صورة لثورين يتناطحان، وغير ذلك من الأجوبة غير الدقيقة. ويتعلق هذا النوع من البارادايم بالصورة (الشكل).
وهناك بارادايم الاسم أيضًا، وهو يتعلق بالمعاني المختلفة للفظة الواحدة بين دولة وأخرى، أو بين منطقة وأخرى. فمثلاً نحن العرب نتكلم من الناحية النظرية لغة واحدة مفهومة في جميع الأقطار العربية، أما من الناحية العملية فإن لهجات مختلفة تسود في هذه الأقطار. بل ربما وجد في القطر الواحد عدة لهجات، بحيث يكون للكلمة معنى في مصر يختلف عنه في الشام أو في الخليج أو المغرب، فمثلاً يسمى المصريون خزانة الملابس أو الكتب (دولاب)، بينما تعني هذه الكلمة في بلاد الشام إطار السيارة. وشركة السيارات اليابانية (نيسان) هي اسم علم لديهم، وبالتالي لا علاقة لها باسم الشهر القبطي المعروف نيسان. أي أبريل، الشهر الرابع ميلادي، وهكذا.
ومثل هذا أيضًا البارادايم المتعلق بالعادات والتقاليد، خصوصًا عادات الأكل والشراب والحديث والمصافحة. فمثلاً عندما يكلم الشخص الفرنسي محدثه، فإنه يقترب منه حتى مسافة ذراع تقريبًا، بينما يعتبر هذا غير مقبول لدينا. إذ إن الفرنسيين يركزون على ضرورة إسماع الشخص ما يقولون له جيدًا، ومثل ذلك الشعوب التي ترغب الأكل الحار (المفلفل)، والشعوب التي ترغب الأكل المالح. وقد رأينا كيف قامت الحكومة الكورية أثناء المونديال الأخير بإبعاد المطاعم التي تقدم لحوم الخيل والكلاب والقطط، بعيدًا عن المرافق الرياضية، والاستعاضة عنها بمطاعم تقدم وجبات جاهزة على الطريقة الغربية، في محاولة لتجنيب الوفود المشاركة أنواعًا من الطعام غير مرغوبة لديهم.
ومثل ذلك بارادايمات المصافحة والتحية، فهناك المصافحة باليد أو بالأنف أو باللسان أو بالكتف أو بنزع غطاء الرأس وغير ذلك مما لا يعد ولا يحصى لدى الشعوب والأمم المختلفة. حماية البيئة ُيقسم الأشخاص في علم البارادايم إلى ثلاثة أنواع هم: المبدعون المستشرفون «Paradigm Shifters»، وهؤلاء يتصفون بأنهم يطرحون أفكارًا جديدة، وغالبًا ما يكونون أشخاصًا غير متخصصين. وهذا سر إبداعهم فهم يجهلون قواعد البارادايم في العمل. ومن أمثلة هؤلاء أن الذي اخترع بدالة الهاتف لم يكن مهندسًا، بل صاحب شركة دفن الموتى (حانوتي). أما النوع الثاني، فهم النمطيون «Paradigm Settlers» آخر من يلحق بالركب. ومن أهم صفات هؤلاء الرفض السريع للجديد، وعدم الرغبة في المخاطرة، والبطء في اتخاذ القرار.
والنوع الثالث هم الرواد «Paradigm Pioneers» أول من يلحق بالركب. ومن أهم ما يميز هذا النوع من أشخاص البارادايم رغبتهم بالمغامرة والخروج عن المألوف، وهم من يحقق أحلام وأفكار المبدعين. فقد تبدو طروحات الرواد مستهجنة في بادئ الأمر، ثم لا تلبث أن تصبح معتادة من قبل الجميع. فعندما طرحت الأمم المتحدة قوانين حماية البيئة استهجنها العالم، ولكنها أصبحت أمرًا مسلمًا به، ولا يشك به أحد. وهناك العديد من التحولات، التي جرت في القرن العشرين،
وتثبت أن الإنسان غير الكثير من البارادايمات لديه. من ذلك على سبيل المثال لا الحصر: الاهتمام بالبيئة، الحقوق المدنية، انتشار مبدأ المشاركة، بروز المعلومات كمصدر رئيس للمعرفة، انتشار استخدام الاتصال عن طريق الأقمار الصناعية والإنترنت، تزايد دور المرأة في الحياة السياسية والنقابية، ممارسة الرياضة، انتشار التقنيات الجديدة كالهواتف النقالة والكمبيوتر، ت عميم مبدأ المشاركة والحوار على المستويات كافة، شيوع مفاهيم الديمقراطية والعولمة، وغير ذلك.
إعادة النظر في القيم ومن أجل تفعيل تطبيقات البارادايم في مجال التدريب والتعلم، فإننا بحاجة لأن نلجأ إلى المرح أثناء الشرح والتعليم، وأن نستخدم الإنترنت، ومواد العرض، ونظم وأجهزة المحاكاة، وألعاب المفاجآت والخفة، بعيدًا عن الإسفاف طبعًا، إلى جانب استخدام المعادلات الرياضية في العلوم الإنسانية لتحقيق أقصى قدر من الإقناع. وأي خروج عن البارادايم هو حالة من الإبداع. ومن أمثلة ذلك الابتعاد عن التعميم، فهو لا شك أمر سلبي، والخروج منه يعني تكوين بارادايم إيجابي «Paradigm Shift»، كذلك إعادة النظر في القيم والمعارف التي يتبناها الفرد. طبعًا لا يراد بذلك قيم الدين والعقيدة فهذه من المسلمات التي لا يجوز المساس بها، بل أنماط وآليات التفكير والاعتقادات والتصورات المسبقة لدى الإنسان.
وللحصول على بارادايم جديد (إيجابي) هناك مقترحات عدة من أهمها:
1 - ضرورة فهم أن المستحيل اليوم ليس بالضرورة أن يبقى كذلك في المستقبل القريب أو البعيد. 2- مكافأة الشخص الذي يمكنه تقديم بارادايم جديد.
3- التيقن بأن أفضل من يقدم بارادايم جديدًا للمؤسسة هو الشخص الذي لا يعمل بها.
وللتغلب على بارادايم سلبي يجب:
- تقبل احتمالية الخطأ أو الصواب فيه.
- التفكير وفقًا لمعايير أو نظم مختلفة.
- مراجعة منظومة القيم الحالية. - التعرف على نمط البارادايم القائم لدى الشخص حاليًا.
- طرح وسماع الأفكار جميعًا بما في ذلك السخيف منها.
- الاستمتاع بالمرح والخيال. - تغيير وتنويع مصادر المعلومات لدينا.
- تجريب أطباقًا ومشروبات جديدة.
- معرفة أن هناك أكثر من إجابة واحدة (صحيحة) للسؤال الواحد.
- تغيير أماكن التنزه وجهات السفر.
- تغيير نوع المجالس وأثاث وديكور المنزل.
- الاطلاع على قنوات إعلامية جديدة كليًا.
- تفادي التعميم فهو صندوق البارادايم القاتل.
وأخيرًا، نسوق للقارئ الكريم بعض الأفعال التي تجعل الإنسان رهنًا لبارادايمات سلبية، بحيث يمكنه تجنب الوقوع فيها مستقبلاً، ومن ذلك للمثال (لا الحصر): الجهل، الصداقة المزيفة، الاستسلام للسيطرة، التسرع، الخيانة، عدم الدقة، التعصب، الازدواجية، استخدام لغة مبهمة، اللامبالاة، الكذب، ادعاء معرفة كل شيء، الانطوائية، العدوانية، فرض القيم، الهجوم بالألفاظ، التكبر، إساءة التقديم، إساءة التوضيح، قول أشياء بلا معنى، الحديث المبتذل، وغير ذلك.
منقول للفائده